منظمة ضحايا حرب العراق تحتاج الى دعمكم العاجل لمساعدتنا على الاستمرار في توثيق الضحايا المدنيين - ساعدنا من خلال التبرع الآن.

 

إن نشر ويكيليكس لسجلات حرب العراق يجري على خلفية ليس فقط الافتقار للمعلومات عن الضحايا العراقيين، بل صعوبة التحقق منها. وتنظر هذه المقالة إلى السياق الأوسع وكيف يعمل المشروع مع البيانات الجديدة كي يتوصل إلى صورة أكمل حول تأثير النزاع على مدنيي العراق.

يرافق هذا مقال مقالاتنا التحليلية للسياق الأوسع وتفاصيله بشأن عدد الضحايا العراقيين غير الموثقين الذي تتضمنه سجلات حرب العراق الصادرة عن ويكيليكس.

سجلات حرب العراق: السياق

ما هو الجديد فيها؟

وإن سجلات حرب العراق المنشورة من قبل ويكيليكس، والتي هي نسخة من تقارير "SIGACTS" (عمليات مهمة) لأعوام 2004-2009 جمعها جيش الولايات المتحدة، 1 ليست المنشور الأول لبيانات الجيش الأمريكي حول الضحايا العراقيين وإنما تمثل المرة الأولى التي يمكن تقصي البيانات المنشورة كما يمكن ومقارنتها والدمج بينها وبين مصادر أخرى بطريقة ملحوظة تضاف إلى المعرفة العامة.

1 باستثناء شهري مايو/أيار 2004 ومارس/آذار 2009.

2 تصدر الولايات المتحدة بهدوء تخميناً لعدد القتلى المدنيين العراقيين، نيويورك تايمز 30 أكتوبر/تشرين الأول 2005.

3 تعداد القتلى المدنيين في العراق، "تقصي الحقائق" واشنطن بوست 1 أكتوبر/تشرين الأول 2007.

لقد ظهر منذ خمس سنوات أن الجيش الأمريكي كان يجمع بيانات عن الضحايا العراقيين دون ضجة، عندما ابتدأت وزارة الدفاع الأميركية بتقديم تقارير حول ذلك بصورة دورية إلى مجلس النواب الأمريكي. 2 وكانت بعض البيانات قد قُدمت بمجموعة من الرسوم البيانية يُجمع فيها بين القتلى والجرحى من المدنيين وقوات الأمن العراقية، من دون تصنيف نسبة كل منها، أو تبيين أية من البيانات الأساسية. إن أفضل ما يمكن أن يقال عن هذه الرسوم البيانية هو أنها مؤشر تقريبي لأنماط العنف ولكن كون العدد أقل من الأرقام الأخرى المتوفرة في حينها، بما فيها الأرقام الصادرة عن المشروع، كان من المستحيل التأكدُ مما إذا كانت قد قدمت حقاً أية معرفة جديدة.

وعرض اللواء ديفيد بتريوس بيانات أكثر وضوحاً بقليل على مجلس النواب الأميركي عام 2007. ومع ذلك فإنه أيضاً أثار تساؤلات لدى محللين مستقلين. 3 الأمر الذي يعود جزئياً إلى أن خط التوجه الصادر عن وزارة الدفاع بشأن وقوع ضحايا مدنيين عراقيين (الذي يجمع بين القتلى والجرحى) للفترة ما بين يناير/كانون الثاني 2006 وأكتوبر/تشرين الأول 2007، والذي كان أقل عموماً من الاتجاهات الشهرية الصادرة عن المشروع و لكن منسجمة معها، بيّنَ ارتفاعاً مؤقتاً ليتجاوز أرقام المشروع في الفترة قُبيل "اندفاع" القوات الأمريكية بقيادة بترايوس، ثم انخفض فجأة مرة أخرى مباشرة بعد بدأ "الاندفاع" (فبراير/شباط 2007). بينما استمرت المصادر الأخرى التي يتابعها المشروع في رصدها نسبة عالية جداً من الضحايا مع عدم حدوث انخفاض كبير في هذا المعدل حتى سبتمبر/أيلول 2007. وكما كان من قبل لم يكن هناك سبيل للتوفيق بين أرقام وزارة الدفاع أو التوفيق بينها و بين المعلومات الموجودة مسبقاً.

4 تقارير أمريكية بـ 77000 حالة وفاة في العراق بين 2004 وأغسطس/آب 2008، واشنطن بوست 15 أكتوبر/تشرين الثاني 2010.

5 تقول الوزارة إن أكثر من 85000 عراقي قُتلوا نتيجة لعنف الحرب سي. أن. أن. 15 أكتوبر/تشرين الأول 2009.

وأخيراً أصدرت وزارة الدفاع مجموعة أخرى من الأرقام الملخصة حول عدد أولئك الذين قُتلوا في أعمال العنف بين يناير/كانون الثاني 2004 وأغسطس/آب 2008، وسُجل فيها 63185 قتيلاً من صفوف المدنيين و13754 من قوات الأمن العراقية في الفترة نفسها.4 ومن المرجح جداً أن تعود هذه الأرقام إلى بيانات SIGACTS ( العمليات المهمة ) ذاتها التي ترد في سجلات حرب العراق إذ أنه تتطابق مجاميع القتلى في السجلين عموماً. وكما لاحظ البعض فإن حصيلة الوفيات المدنيين المسجلة فيهما هو أقل من ذلك المسجل لدى المشروع وغيرها من المصادر بما فيها وزارة حقوق الإنسان العراقية. 5

ولا استغراب في أن المعلومات عن ضحايا الصراع المستخرجة من أي مصدر وحده غير مكتملة، بما فيها تلك التي جمعها الجيش الأمريكي. وحقاً ما يقلل من منفعة الأرقام الأخيرة "الصادرة رسمياً" عن الولايات المتحدة، بدلاً من كونها مجموعة من أرقام متناثرة، هو افتقارها إلى تفاصيل عن الضحايا و الحوادث بشكل منفصل ما يسمح للآخرين بمقارنتها أو دمجها ببيانات أخرى مثل تلك المسجلة لدى المشروع، بهدف تشكيل صورة أكمل.

وفي الواقع يبدو أن البيانات الوحيدة المنشورة عن الضحايا والصادرة عن وزارة الدفاع قبل نشر سجلات حرب العراق التي يمكن الاستفادة منها بالفعل هي التقارير الأقل شمولية التي تظهر يومياً على موقع القوات المتعددة الجنسيات في العراق ("عملية الفجر الجديد" – الموقع العربي الرسمي لقيادة القوات الأمريكية – العراق)، بالإضافة إلى ال35000 صفحة من السجلات الرسمية (التي تشمل أفغانستان أيضاً) حصل عليها الاتحاد الأميركي للحريات المدنية (ACLU) عن طريق رفع طلب بموجب قانون حرية المعلومات الأمريكي قانون عام 2005. وتتعلق بيانات ACLU في الغالب بالمطالبات بالتعويض من قبل عراقيين مقابل فقدانهم أرواحاً أو إصابات ناتجة عن عمليات نفذتها القوات الأمريكية 6 . وبهذا الشكل تشترك مع سجلات حرب العراق في أنهما و بشكل كبير تفصيليتان و محددتان فيما يتعلق بحوادث أو و فيات أو حتى إصابات بعينها. وهذا ما يجعلهما تصلحان للمقارنة الدقيقة مع ما نعرفه حتى الآن، وإما إذا تعلق الأمر بحالات الوفاة غير المسجلة مسبقاً فيسمح بإضافتها إلى السجل العام. لقد تمكن المشروع خلال شهور عديدة من أضافة 477 وفاة مدنياً عراقياً تم تقصيها من ما نشره الاتحاد الأميركي للحريات المدنية ACLU و قد تمت مناقشة ذلك بتفاصيل أكثر على صفحة أخرى من موقع المشروع. 7<

6 الثمن البشري - الضحايا المدنيون في العراق وأفغانستان

7 للسجل العام ومن أجل المصلحة العامة 1 أكتوبر/تشرين الأول 2010.

8 سجلات حرب العراق: ما تكشف عنه الأرقام 22 أكتوبر/تشرين الأول 2010.

وكما كان الحال بالنسبة إلى السجلات العسكرية التي حصل عليها رسمياً الاتحاد الأميركي للحريات المدنية ACLU ثم قام بنشرها، فإن إجراء تحليل مماثل لكل سجل سوف يسمح باستعمال البيانات عن وقوع ضحايا لبناء صورة أكثر اكتمالاً بكثير من أية صورة كانت موجودة قبل ذلك.

وبناءً على تحليل لعينة متكونة من 860 سجلاً مختارة من سجلات حرب العراق (ومن ضمنها كل السجلات التي دُون فيها سقوط 20 حالة وفاة) يقدر المشروع أنها ستضيف ما يقارب 15000 حالة وفاة من المدنيين العراقيين غير مسجلة سابقاً إلى السجل العام، فضلاً عن القتلى في صفوف قوات الأمن العراقي والمقاتلين أكثر بكثير من الذين وُثقوا حتى الآن. 8 وسوف يستغرق الرصد الكامل للمآسي الإنسانية الموثقة في سجلات حرب العراق وقتاً كثيراً واجتهاداً كبيراً، لكنه أصبح على الأقل ممكناً الآن.

مساهمة المشروع حتى الآن

إن جميع المعلومات حول الوفيات الناجمة عن الكوارث، سواء أكانت حرباً من صنع الإنسان أو كارثة طبيعية، هي معرفة عامة وليس من حق أية دولة أن تحجبها إلى أجل غير مسمى. وحتى في الدوائر العسكرية فإن طريقة التفكير الحديثة تقبل هذا الرأي لأسباب عديدة من ضمنها مصلحة الجيش نفسه. 9

9 على سبيل المثال انظرْ إلى في مصلحة الجميع: تسجيل جميع القتلى، ليس فقط جنودنا تأليف مشترك على يد مجموعة أكسفورد للبحوث وعقيد في الجيش البريطاني، نُشرت في عدد صيف 2010 من مجلة الجيش البريطاني.

10 سجلات حرب العراق: تكمن الحقيقة في التفاصيل 22 أكتوبر/تشرين الأول 2010.

ومع ذلك فإن سجلات العراق (مثله مثل "يوميات حرب أفغانستان" التي نشرها ويكيليكس عام 2010) تحتوي على معلومات بشأن سقوط وفيات مدنيين وغيرها من الضحايا التي ظلت مخفية من الرأي العام على يد الحكومة الأمريكية لأكثر من ست سنوات. وحتى المعرفة عن مضمون تلك السجلات – مثل الحقيقة أنها تتكون من آلاف أسماء القتلى المدنيين العراقيين – ظلت سرية. 10 وبعيداُ عن تصريح المتحدث باسم الجيش الأمريكي بأن المعلومات "سُرقتْ" فإن المعلومات التي تتضمنها السجلات تتعلق بعامة الشعب (العراقي أساساً) وأخفاها الجيش الأمريكي عن جمهور العراق والعالم دون مبرر وعلى ما يبدو مع نية لإخفائها إلى أجل غير مسمى.

وعلى الرغم من أن سجلات حرب العراق يرجح أن تكون موضعَ اهتمام مكثف من قبل وسائل الإعلام في المدى القصير، إلا أنه في المصلحة العامة أن يكون نشرها مرفقاً على المدى الطويل بتحليل موثوق فيه وشامل. وتوجد لدى المشروع الكفاءة لتقديم هذه التحاليل، معتمداً على خبرته في جمع وتحليل البيانات حول القتلى العراقيين على أساس كل حادث لأكثر من سبع سنوات، وعلى عزمه في مواصلة هذا العمل في المستقبل المنظور.

إن قضاءُ الأسابيع القليلة الماضية في العمل التحليلي التفصيلي للكم الهائل من بيانات السجلات سمح للمشروع بأن يقدم نظرة عامة مبنية على الأدلة للنتائج الرئيسية يوم نشر السجلات. كما وفرت لنا الفرصة للقيام بالعمل التحضيري الضروري للدمج الكامل الموثوق لمجمل السجلات إلى المعرفة العامة القائمة بشأن الخسائر البشرية في العراق.

الخطط المستقبلية للمشروع

يهدف المشروع في المستقبل إلى دمج كل المعلومات المتوفرة في سجلات الحرب وذات صلة بوقوع الضحايا دمجاً كاملاً إلى قاعدة بيانات المشروع. وإن هذه العملية نفسها سوف تمثل أكبر عمل تحليلي أولاه المشروع لمصدر واحد، مما يتطلب على الأرجح التفحص اليدوي للغالبية من سجلات الحرب ال390000 إن لم يكن كلها.

وبالفعل لم يباشر المشروع في تحليله الأولي للسجلات المنشورة اليوم لو لا التزامه بتحقيق الإدماج الكامل لهذه السجلات في السجل العام، حسب كل حادث وكل ضحية. وكما أظهر تحليلنا الأولي، من المرجح أن تضيف هذه السجلات ما يصل إلى 15000 حالة وفاة مدني غير موثقة سلفاً. وبالإضافة إلى ذلك فإنها سوف تقدم تفاصيل عن 25000 حادث غير محدد سابقاً أسفرت عن سقوط قتلى، بغض النظر عن ما إذا كانت الوفيات موثقة من قبل أم لا.

ولكن هذه المهمة ستطلب موارد بشرية ومالية أكثر مما هو متاح للمشروع حالياً، وبالتالي فإن تحقيق خططنا سوف يعتمد على مصادر أساسية جديدة للتمويل. فنجتهد من أجل تلقي مثل هذا الدعم. كما يمكن للأفراد مساعدة هذا النشاط عن طريق تقديم تبرعات مالية مباشرة من خلال موقعنا على الإنترنت.

مسائل أخرى

وقد تطلب حصولنا المتقدم وغير الرسمي على سجلات الجيش الأمريكي نظر المشروع فيما إذا كان يشكل ذلك أية مخاطر قانونية له أو لموظفيه. وتناولنا هذه المسألة من خلال العمل على أساس مشورة قانونية متخصصة لدى كل خطوة من الطريق خلال فترة المراجعة الأولية. وقدم هذه الاستشارة محامو المصلحة العامة، وهو مكتب محاماة رائد يتخصص في مجال حقوق الإنسان محلياً ودولياً.

كما تعامل المشروع أيضاً مع هذا الخطر من خلال العمل بطريقة لا تختلف في جوهرها عن تلك التي تبنتها شركات وسائل الإعلام الدولية الكبرى مثل نيويورك تايمز والغارديان ودير شبيغل جميعها التي أتيح لها وصول مبكر وكامل للوثائق الجديدة. 11 قد بلغنا هذه الشركات بالتزامنا المشترك بنشر تحليلنا الأولي لهذه السجلات في نفس اليوم الذي ينشره ويكيليكس.

11 يمكن قراءة قائمة المنظمات المساهمة بأكملها عبر موقع سجلات حرب العراق التابع لمكتب الصحافة الاستقصائية

أما المسألة الأخيرة التي تشغل بالنا في المشروع فهي إنه علينا ألا نعرِّض أحد لمخاطر نتيجة للمعلومات التي نصدرها. في الواقع لا ينشر المشروع أية بيانات أولية "لم تعالج" من أي نوع – و كل ما يصدر عن المشروع يخضع للتفحص وللتحليل أولاً على يد موظفي المشروع. يعني ذلك إنه مثلاً لن ننشر أبداً أسماءَ شهود رئيسيين حتى بصورة غير مقصودة. و في مثل هذه الإجراءات التي لا يمكن تطبيقها في المنظمات غير الهادفة للربح و لا حتى من قبل وسائل الإعلام الكبيرة خلال أسابيع على 390000 سجل متعدد المداخل، فقد قام ويكيليكس بشأن الحلول الممكنة باستشارة العديد من الجهات بما فيها المشروع و قرر القيام بالتنقيح المكثف لما يجب نشره من سجلات الحرب، وعلى الرغم من أن عملا كهذا سيشكل تقصيراً عن مثال الشفافية التي يجب تطبيقها على مثل هذه الإصدارات، إلا أننا نتفق مع ويكيليكس أن هذا حل أفضل من تأجيل نشرها إلى أجل غير مسمى إلى حين يتم قراءتها و تنقيحها الواحد تلو الآخر- أما إخفاء السجلات فهي الحالة التي يحاول ويكيليكس تجنبها دائماً.